لو بدأنا بالمصادر هذه حسب تاريخها، فمن أقدم المصادر التي تتحدث عن هذا الموضوع
التوراة والتفاسير أو الشروح لها، في الحقيقة أن هناك نوعين ممكن أن نجعلهما باختصار هما محور ما جاء في
التوراة :النوع الأول: هو أن البشر وجدُوا أول الأمر على هيئة كبيرة وضخمة, وهذا موجود؛ لكن ليس بنفس الدلالة القطعية والصراحة الموجودة في القرآن والسنة؛ لكن نعم كانوا أعظم, وكانوا أكثر قوة؛ وهناك ما يدل على ذلك، لكن أضيف إليه من الخرافات الشيء الكثير! وربط في النهاية بما يسمى عمليق أو عماليق, وهو من ذرية عيسو بن إسحاق ابن إبراهيم عليه السلام، فحدثت إشكالية كبيرة جداً هنا في المسألة -الإفاضة في شرح الإشكالية قد تطول لكن نحن نأتي بالحل- نقول: إن القوم الجبارين الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى في كتابه، والذين رفض
اليهود أن يدخلوا المدينة التي هم فيها، هم الذين حُصر فيهم -عند كثير من علماء
التوراة- مفهوم العمالقة أو عمليق؛ أنهم قوم جبارون, وهؤلاء الجبارون لا يمكن مقاومتهم, ثم أخذت الخرافة مداها؛ فأصبح كأن هؤلاء القوم لا يكاد يوجد لهم ذكر إلا فيما يتعلق بمرحلة موسى عليه السلام ثم ما بعده.نذكر باختصار مثالين: المثال الأول: قولهم عن
عوج بن عنق أنه كان معاصراً لموسى عليه السلام -هذا ليس في
التوراة لكنه في
التلمود- وأنه كان ضخماً, ثم ذكروا أنه كان حياً من أيام نوح عليه السلام، وأنه أيام الطوفان كان يخوض في الطوفان ولا يصل إلا إلى قدمه، وأن الذي قتله موسى عليه السلام, وكان طويلاً عليه السلام, وعصاه طويلة، وقفز حتى وصلت الضربة إلى كعبه أو إلى ساقه.. وكل هذا تهاويل وخرافات؛ لكن ربطت بما يتوهمه بنو إسرائيل عن القوم الجبارين، الذين كانوا أجبر منهم وأقوى منهم، ومن العرب الكنعانيين الذين كانوا يسكنون في أرض
فلسطين وبلاد
الشام ، ومن غيرهم من بقايا إرم التي سميت آرام أو بقايا قوم عاد وثمود.الناحية الأخرى: أن
اليهود جعلوا
جوليات -يعني:
جالوت - ضخماً وجباراً ومن العماليق؛ ليعظموا بذلك شأن داود عليه السلام وأنه قتله؛ ولذلك تجد في مواقع الإنترنت وغيرها التي تتحدث عن العمالقة لقطات من أفلام -هي ليس لها أصل من الحقيقة إنما هي أفلام خيال؛ سينما أمريكية- وضعوا صورة
جالوت كإنسان عظيم ضخم الجثة، وداود مثل فتى صغير ضربه بالمقلاع ثم حز رأسه إلى آخر ذلك.هذا الوضع هو الذي جعل كثيراً من الناس يقولون: إن هذه كلها خرافات، ولا يوجد أصل صحيح لأجيال من العمالقة الضخام الجثة الذين تتحدث عنهم الكتب المقدسة.عندما ظهر النقد التاريخي
للتوراة في القرن السابع عشر والثامن عشر كان من السهل على الناس أن ينفوا ذلك، وأن يقولوا بهذا الكلام, وأن ينفوا وجود عمالقة، ولما ظهرت نظرية التطور في منتصف القرن التاسع عشر كان سهلاً أيضاً عليهم أن يؤمنوا بها -أو كثير منهم- ويغضوا النظر عن كل ما يخالفها من كتب التاريخ، أو الحقائق التي يرثها الأبناء عن الآباء عن قبور العمالقة, وعن عظام العمالقة، وعما في ذاكرة البشرية من وجود هؤلاء البشر الضخام، وعن آثار في الأرض أيضاً تدل على ضخامة من كان قبلنا، كان هناك مرحلة تشاد وصراع وتطاحن بين العلم وبين الدين، فهؤلاء كلهم لم يبالوا على الإطلاق بما ذكر في هذه الأمور؛ وإنما ركزوا على الأهم؛ أن كل هذا خرافة فأبطلوه بجميعه، وليس لديهم معيار لمعرفة تفاصيله, وأخذ الحق وترك الباطل، أو لم يبحثوا عن معيار؛ لأنها مرحلة نفور, ومرحلة عداوة واشتداد، مثل مبارزة شد الحبل؛ كل منهم يريد أن يجر الآخر إليه مطلقاً دون أن يلتقي الجمعان أو الطائفتان على نقطة وسط.هذا ما يقرره إذاً
التوراة وشروحها وما ألحق بها من خرافات وضعها التلموديون وغيرهم.